رحل أمير الإنسانية ومآثره الخالدة باقية نبراسا يضيء الدروب

رغم وفاة “أمير الإنسانية” المغفور له بإذن الله تعالى سمو أمير البلاد الراحل الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح طيب الله ثراه فأن أعماله الخيرية الجليلة ستظل نبراسا وقبسا يضيء الدروب.

فقد غدت دولة الكويت في عهد سموه رحمه الله قبلة للمساعدات الإنسانية والوقفات النبيلة مع المحتاجين وأصحاب الكوارث بغض النظر عن أجناسهم وأعراقهم وأديانهم.

وإذا رحل سمو الأمير بجسده فستظل إنجازاته البارزة مدونة في سجل تاريخ الكويت وعطاءاته خالدة في مسيرتها الحديثة وإسهاماته ومبادراته منارة للأجيال تقتبس منها لتبقى حاملة مشاعل النور في مسيرة بناء الوطن ورفعته وازدهاره.

ويعد الشيخ صباح الاحمد رحمه الله طرازا فريدا من قادة العالم المتميزين الذين خلدوا أسماءهم باقتدار من خلال جهوده السياسية التي ساهمت في تحقيق السلام والاستقرار في العالم وأعماله الإنسانية التي أفادت بالخير كثيرا من الدول والشعوب المنكوبة.

سمو الأمير الراحل كان إنسانا لا يستطيع أن يرى إنسانا مثله يتألم إلا ويقدم له يد المساعدة فكان لا يدخر جهدا لأجل نجدة طالبها من مشارق الأرض الى مغاربها اذ عمل دون كلل أو ملل على تقوية أواصر الصداقة والمحبة والتقارب بين الشعوب مسترشدا بهدي النبي محمد صلى الله عليه وسلم واضعا نصب عينية قيم الحنيفية السمحة مهتديا بمبدأ التكافل الاجتماعي الذي أقره الإسلام فكسب القلوب ليضرب بذلك أروع الأمثلة في البذل والعطاء وهو ما أكسب دولة الكويت السمعة الطيبة والمكانة المرموقة.

وقد دشن سموه رحمه الله نقلة نوعية في أساليب المساعدات التي ارتكزت عليها الدبلوماسية الكويتية تمثلت بتلمس حقيقي للاحتياجات الإنسانية.

ووسع سمو الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح رحمه الله من هذا النشاط منذ توليه مقاليد الحكم عام 2006 ليزداد معه حجم المساعدات الإغاثية بشكل ملحوظ.

لا شك ان جهود سموه الإنسانية رحمه الله لن تذهب سدى وستكتب بماء الذهب في جبين التاريخ العربي والإسلامي ولتذكر للأجيال القادمة بكل ما فيها من مواقف إنسانية.

كما ان الجمعيات الخيرية الكويتية سطرت بناء على توجيهات سامية صفحات من الدعم المتواصل لمشاريع إنسانية عديدة في قارتي آسيا وأفريقيا بمبادرات شعبية أصبحت الآن أحد العناوين البارزة لأيادي الكويت البيضاء.

ولا شك ان “الدبلوماسية الإنسانية” ذلك المفهوم الذي استحدث على مستوى العالم والذي أعطى الكويت زمام المبادرات في العمل الخيري والإنساني لتتبوأ مركزا مرموقا بين دول العالم لتصبح (مركزا للعمل الإنساني) وقد كان فخرا لنا جميعا ولكل العرب والمسلمين اختيار صاحب السمو الراحل الأمير الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح (قائدا للانسانية) من الأمم المتحدة تتويجا وتكريما له لما قدمه سموه من جهود متواصلة لخدمة الإنسانية.

ففي عام 2014 وبعد 60 عاما من العطاء اللامحدود قامت الأمم المتحدة بتسمية سمو الأمير الراحل (قائدا للعمل الإنساني) كما تم اختيار الكويت (مركزا للعمل الإنساني) وبذلك يكون هذا العام قد سجل في ضمير الأمة الكويتية بصمة تاريخية.

وقد جاء هذا التكريم تقديرا للمساعدات الإنسانية والحملات الإغاثية التي تقدمها دولة الكويت للدول والشعوب وللمبادرات الإنسانية التي أطلقها سموه رحمه الله في عدد من القمم التي استضافتها الكويت والتي من بينها إنشاء صندوق الحياة الكريمة والذي ساهمت الكويت فيه بمبلغ 100 مليون دولار خلال المنتدى الاقتصادي الإسلامي وإعلان دولة الكويت المساهمة بمبلغ 500 مليون دولار على هامش مؤتمر المانحين لإعمار شرق السودان والمساهمات المالية الإنسانية لوكالة الامم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (اونروا) والمفوضية العليا للاجئين والإعلان عن تقديم قروض ميسرة للدول الإفريقية بمبلغ مليار دولار خلال القمة العربية الإفريقية الثالثة ومضاعفة مساهمة دولة الكويت الطوعية السنوية لصندوق الأمم المتحدة المركزي للاستجابة للطوارئ الإنسانية إلى مليون دولار.

وبكل فخر واعتزاز ورفعة سيظل الكويتيون يحتفون بذكرى تكريم الأمم المتحدة لصاحب السمو الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد بتسميته (قائدا للعمل الإنساني) والكويت (مركزا للعمل الإنساني) في إنجاز مستحق رسخ مكانة الكويت عاليا في أعرق المحافل الدولية.

وبهذه المناسبة أشاد الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون خلال تلك الاحتفالية بجهود سمو الأمير الراحل التي ساهمت في تمكين المنظمة الدولية من مواجهة ما يشهده العالم من معاناة وحروب وكوارث.

وأكد بان كي مون في كلمته آنذاك أن “الكويت أظهرت كرما استثنائيا تحت قيادة سمو الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح ورغم صغر مساحة البلاد لكن قلبها كان أكبر من الأزمات والفقر والأوبئة”.

ومن جهته أكد سمو الأمير الراحل في كلمته خلال الاحتفالية أن “دولة الكويت ومنذ استقلالها وانضمامها إلى منظمة الأمم المتحدة سنت لها نهجا ثابتا في سياستها الخارجية ارتكز بشكل أساسي على ضرورة تقديم المساعدات الإنسانية لكافة البلدان المحتاجة بعيدا عن المحددات الجغرافية والدينية والاثنية انطلاقا من عقيدتها وقناعتها بأهمية الشراكة الدولية وتوحيد وتفعيل الجهود الدولية بهدف الإبقاء والمحافظة على الأسس التي قامت لأجلها الحياة وهي الروح البشرية”.

كما لفت سموه رحمه الله إلى أن “دولة الكويت اتخذت عام 2008 قرارا يجسد حرصها على دعم الدور الإنساني للأمم المتحدة عندما خصصت ما قيمته 10 في المئة من إجمالي مساعداتها الإنسانية للدول المتضررة من الكوارث الطبيعية أو الحروب وتبعتها بقرارات رسمية بمضاعفة المساهمات الطوعية السنوية الثابتة لعدد من الوكالات والمنظمات الدولية”.

وقد استضافت دولة الكويت العديد من المؤتمرات الإنسانية وأكدت على الدوام أهمية الدور الإنساني للجمعيات والهيئات الخيرية الذي يتمثل في إيصال المساعدات الإغاثية للدول المنكوبة.
وقد تجلى ذلك الدور الانساني كذلك في اسهامات جمعية الهلال الأحمر الكويتي والهيئة الخيرية الإسلامية العالمية في إغاثة ومساعدة الدول المحتاجة.
ونستعرض هنا بعضا من مساهمات الكويت الإنسانية ونبدأها من سوريا لتدهور الأوضاع الإنسانية هناك فقد استضافت الكويت المؤتمرات الدولية الثلاثة الأولى للمانحين لدعم الوضع الإنساني في سوريا حيث عقد الأول في يناير 2013 وتبرعت فيه الكويت بمبلغ 300 مليون دولار أمريكي فيما ارتفعت قيمة التبرعات الكويتية في المؤتمر الثاني الذي عقد في يناير 2014 إلى 500 مليون دولار وتبرعت بمبلغ مماثل في المؤتمر الثالث الذي عقد في مارس 2015.

وشاركت دولة الكويت في مؤتمر المانحين الرابع لسوريا الذي استضافته لندن في فبراير 2016 وقدمت فيه مبلغ 300 مليون دولار على مدى ثلاث سنوات.

ولم يقتصر دور الكويت على الجانب الرسمي والمشاركات في المؤتمرات الدولية بل ساهمت الجمعيات والهيئات الخيرية المحلية في دعم الجهود الحكومية في هذا الجانب فعملت على إطلاق حملات الإغاثة وإيصال المساعدات للمتضررين من الشعب السوري كما ساهمت جمعية الهلال الأحمر الكويتي والهيئة الخيرية الإسلامية العالمية بجهود كبيرة لإغاثة النازحين في دول الجوار لسوريا.
ننتقل الى العراق حيث حرصت دولة الكويت على مد يد العون والإغاثة للنازحين واللاجئين العراقيين حتى أصبحت حاليا من أكبر المانحين لهذا البلد.
واستضافت الكويت في فبراير 2018 “مؤتمر الكويت الدولي لإعادة إعمار العراق” عقب تحرير مدنه من براثن تنظيم (داعش) الإرهابي ووصلت قيمة التعهدات الدولية إلى 30 مليار دولار عبر قروض وتسهيلات ائتمانية واستثمارات قدمت الكويت للعراق منها مليارا دولار وهو ما تعهدت به في المؤتمر.

كما لم يغب الاهتمام الكويتي سياسيا وإنسانيا عن اليمن فأعلن سمو الأمير الراحل الشيخ صباح الاحمد رحمه الله في عام 2015 تبرع دولة الكويت بمبلغ 100 مليون دولار لتخفيف المعاناة الإنسانية للشعب اليمني وأطلقت بعدها سلسلة من الحملات الاغاثية تحت عنوان “الكويت بجانبكم” في كل من العراق واليمن وسوريا والاردن.

ولم تنس الكويت القضية الفلسطينية التي اعتبرتها قضيتها العربية الأولى منذ بدايتها وحتى اليوم فاستمر دعمها للفلسطينيين وازدادت وتيرته في عهد الشيخ صباح الأحمد رحمه الله وفي حين كانت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) تشكو باستمرار من تدني ما تتلقاه من تبرعات كانت الكويت تقدم التبرع تلو الأخر لتغطية احتياجات الوكالة.
كما زاد حجم التبرعات في الدول التي تصيبها كوارث طبيعية كما حصل في اليابان والفلبين وتركيا والصومال وغيرها.
واستضافت الكويت في عهد سموه رحمه الله كذلك العديد من القمم العربية والخليجية والدولية كان أبرزها “القمة الاقتصادية والتنموية والاجتماعية العربية” الأولى في يناير 2009 التي شهدت أول مبادرة تنموية عربية طرحها سمو الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد متمثلة في إنشاء صندوق لدعم وتمويل المشاريع التنموية الصغيرة والمتوسطة في الدول العربية برأسمال قدره مليارا دولار تساهم الكويت فيه بحصة تبلغ 500 مليون دولار.

كما قدمت دولة الكويت تعهدات كبيرة لدعم جهود إعادة البناء في لبنان أعلن عنها في مؤتمر المساعدات الدولية لدعم لبنان الذي نظمته فرنسا والأمم المتحدة من خلال استعدادها لدعم لبنان ب 30 مليون دولار من المساعدات التي تم التعهد بها سابقا عبر الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية للأمن الغذائي.

وقدمت الكويت كذلك مساعدات طبية وغذائية العاجلة بمبلغ 11 مليون دولار إلى جانب تبرعات اخرى من الجمعيات الخيرية الكويتية.

كما قامت الكويت بارسال مساعدات إنسانية وإمدادات طبية ومساعدات غذائية إلى الصليب الأحمر اللبناني عبر جسر جوي استمر أياما بالتعاون مع الجهات الحكومية بما في ذلك الوزارات الكويتية الخارجية والصحة والتجارة وذلك في اعقاب انفجار مرفأ بيروت وجرى ايضا تقديم ما يقرب من 1000 طن من المساعدات الإنسانية.

ولم يغب السودان عن مسيرة الخير الكويتية فقد أنشأت جمعية الهلال الاحمر الكويتي مؤخرا ثلاثة مخيمات لإيواء المتضررين من السيول والفيضانات التي اجتاحت أجزاء من السودان وذلك في ولاية نهر النيل شمال العاصمة الخرطوم كما وصل جسر جوي إنساني كويتي إلى الخرطوم محملا بنحو 100 طن من المساعدات الإنسانية.

ورغم التحديات التي واجهتها دولة الكويت كغيرها من دول العالم بسبب جائحة فيروس (كورونا المستجد – كوفيد 19) إلا أنها لم تنس دورها الرائد في مجال العمل الانساني فقد كانت سباقة في تقديم الدعم والمساعدات للصين في بداية انتشار الجائحة.
ففي الخامس من شهر مارس الماضي أعلن سفير الكويت لدى الصين سميح حيات عن تبرع الكويت بمبلغ ثلاثة ملايين دولار (نحو 21 مليون يوان صيني) للصين دعما لجهودها في احتواء فروس (كورونا المستجد) ومكافحته.
وخلال الجائحة استنفرت الجمعيات والجهات الخيرية الكويتية كل طاقاتها للقيام بدورها مع مراعاة الظروف التي تمر بھا البلاد.
فقد وزعت جمعية الهلال الاحمر الكويتي مساعدات اغاثية على الاسر اللبنانية المحتاجة واسر اللاجئين السوريين في مختلف المناطق اللبنانية.
كما أقامت جمعيات خيرية كويتية برامج مساعدات للاجئين السوريين في الأردن وعدد من الأسر المحتاجة بمختلف المحافظات والمدن في المملكة.
وكانت الكويت سباقة في مساعدة اليابان بعد تعرضها لكارثة طبيعية في عام 2011 جراء زلزال قوي بلغت شدته حوالي تسع درجات على مقياس ريختر.
ففي أعقاب الكارثة وبتوجيھات سمو أمير البلاد الراحل الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح قدمت الكويت تبرعا بخمسة ملايين برميل من النفط الخام بقيمة حوالي 500 مليون دولار للمساعدة في إعادة الإعمار بعد الزلزال.
ان اعمال البر والإحسان قيم متأصلة في نفوس الشعب الكويتي تناقلها الأبناء والأحفاد ولاتزال وستظل أعمال سمو الأمير الراحل الشيخ صباح الاحمد رحمه الله الخيرية ومبادراته الإنسانية نهجا يقتدي به الجميع ونبراسا يضيء الطريق وكل الثقة في سمو أمير البلاد الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح حفظه الله ورعاه الذي هو ابن مدرسة سمو الأمير الراحل السياسية والإنسانية.

مقالات ذات صلة